اليك عدة نظريات التي حاولت تفسير القلق عند الانسان و هي كما يلي:
نظريات القلق
1- نظرية فرويد في القلق
وهذه النظرية تفيد بان طبيعة الإنسان قد هيأت إمكانية كبت التجارب النفسية المكبوتة المؤلمة وعملية الكبت هذه، في نظر فرويد هي سنوات الطفوله.
وقد أكد فرويد على أن المواد المكبوتة هي الرغبات الجنسية الفاشلة في حياة الطفل لتعارضها مع القيود التي تمنع تحقيقها والهدف من عملية الكبت هذه هو الشعور بالقلق الناتج عن بقاء الرغبة والمانع لها في الوعي (الشعور).
ويرى فرويد أيضا أن القلق هو عبارة عن خوف داخلي وان إحساس الفرد للخوف ماهو الا إشارة أو إنذار للنفس، بأن التجربة المكبوتة غير الواعية قد أصبحت في دائرة الوعي أو الشعور، مهددة بذلك التكامل النفسي للفرد وهو التهيؤ للخطر بأعداد النفس المقاومة الحالة الطارئة من التهديد والخطر وبالنظر لما لاقاه فرويد من معارضة بسبب تأكيده على الحياة الجنسية في الطفولة كمحور لنشوء القلق، فقد عدل نظريته سنة 1894 .
وجاء بنظرية ثانية بعد ثلاثين سنة وفي هذه النظرية الثانية يرى فرويد إن القلق هو إنذار لتجنب حالة تهدد الإنسان أو النفس بالخطر مهما كان مصدر هذا القلق ومع هذا التعديل فقد ظل فرويد واتباعه يعلقون أهمية كبرى على الحياة الجنسية في الطفولة في التحليل النفسي والعلاج النفسي على حد سواء.
ومن النظريات المتطرفة في منشا القلق، نظرية جاء بها بعض اتباع فرويد وفيها يؤكدون على اهمية عملية الولادة اثناء نزول الطفل حتى ظهوره ويرون ان هذه التجربة الولادية هي الاساس لانفعالات القلق في المستقبل، وحجتهم في ذلك ان الانفعالات الفيزيولوجية التي تحدث اثناء الولادة هي نفسها الانفعالات الفزيولوجية التي تصاحب حالة القلق في سن اكب
لاحظ فرويد ان القلق كثيرا ما يصاحب الحالات الهستيرية، فاعتقد أن وراء الهستيريا عملية نفسية هي غالبا تكون جنسية، وقد كبتت هذه العملية فتحولت الحالة الوجدانية المصاحبة لها الى قلق حتى مخاوف الصغار والكبار ترجع جميعها الى رغبة غريزية (ليبيدية) لم يتمكن الفرد من اشباعها، وكذلك العصاب القهري ما هو الا اعراض مرضية تخفي وراءها مشاعر القلق الذي نشأ بسبب كبت الدوافع الجنسية.
نظرية العالم النفساني أوتورانك و القلق
يعتقد العالم النفساني أوتو رانك otto RANK أن الإنسان يشعر في جميع مراحل نمو شخصيته بخبرات متتالية من الانفعال وميلاد الطفل هو أول وأهم خبرة للانفصال تمر بالإنسان اذ تسبب له صدمة مؤلمة وتثير فيه قلقا شديدا، واطلق على هذا النوع من القلق الذي تثيره صدمة الولادة بالقلق الاولي وفسر رانك جميع حالات القلق على اساس القلق الأولي هذا، فهو لم يعتبر قلق الولادة نموذجا تنشأ على نسقه حالات القلق، وانما اعتبر قلق الولادة المصدر الذي تنشأ عنه حالات القلق التالية وكما اعتبر رانك الانفصال عن الأم هو الصدمة الاولى التي يتعرض لها الطفل فانه اعتبر كذلك جميع حالات الانفصال التالية مثيرة للصدمة، فالفطام مثلا يتضمن انفصال الطفل عن ثدي الام هو يسبب صدمة للطفل لانه شبيه بحالة الانفصال الأولى، والذهاب للمدرسة يثير القلق لأنه يتضمن انفصالا عن المنزل، والزواج يثير القلق لأنه يتضمن انفصالا ووداعا عن حياة الوحدة ، فالقلق هو الخوف الذي تتضمنه هذه الانفصالات المختلفة.
والجدير بالذكر ان فرويد قد انتقد رانك على اساس ان الطفل اثناء الولادة لا يكون مدركا لانفصاله عن امه ولهذا لايمكن ان يكون الانفصال عاملا رئيسا في حالة القلق الاصلية، بل ان الاحساسات الجسدية المؤلمة التي يتعرض لها الطفل اثناء الميلادهي العامل الاساسي في قلق الميلاد الا ان فرويد لم ينكر اهمية الانفصال عن الام فيما بعد كعامل هام في اثارة القلق عند الطفل في الحالات التي يفتقد فيها أمه، ولكن القلق الذي يشعر به الطفل في هذه الحالات انما يعود في مفهوم فرويد الى شعور الطفل بالعجز أمام التنبيه الصادر عن حاجاته التي تريد الإشباع، وعن شدة الشوق لأمه
نظرية القلق والعالمة النفسية “هورناي”
تذهب كارن هورناي الى ان هناك نوعا من القلق الأساسي الذي يتعلق بعجز الطفل عندما يتعامل مع عالم عدواني وغير عادل وغير متقبل له، ومع بيئة تعطل استخدامه وتشل حركته وطاقاته وتقف حائلا دون تنفيذ أهدافه، والظروف التي تقف عقبة في طريق تحقيق حرية الطفل في النمو لاتحدث لمجرد الكبار من حول سيئون أو قساة أو يضمرون له الشر.
فقد تحدث هذه الظروف لأن هؤلاء الأشخاص يكونون مشغولين بمشكلاتهم وقلقهم الخاص لدرجة أنه لا تصبح لديهم الحرية الداخلية لملاحظاته أو تقبله أو تشجيعه وذلك رغم حبهم الشديد له والطفل الذي تحيط به مثل هذه الظروف محبط نفسيا ، الا انه من الخطر عليه أن يظهر غضب صراحة أو أن يدافع عن ذاته، ولذلك يكون دفاعات ذاتية معينة يحاول بواسطتها مواجهة الاستجابة الداخلية للتهديدات الواقعة عليه من الخارج.
وتذكر هورناي ثلاثة اتجاهات رئيسية قد تأخذها هذه الدفاعات كما أنها توضح أنه من النادر أن تظهر في صورة خالصة، فنفس الشخص يستخدم دفاعات مختلفة تحت ظروف مختلفة وهذه الوسائل هي موجهات للسلوك وليست في حد ذاتها علامات على الاضطراب قد تكون هناك بعض المشاكل البيئية التي تعوقه هي التي تجعله أن يتجه ضدها، ومثل هذا الشخص يصبح عدوانيا ومنافسا فهو يسعى للسيطرة ومنافسة الآخرين بقصد التفوق عليهم، وكثيرا ما نجد هذا النوع الواضح من الاستخدام العصابي للتفوق العلمي في كافة المدارس، والدفاعات الثانية التي قد يعتمدها الشخص الفاشل في محاولته لتحقيق ذاته عندما لا يستطيع مقاومة الذين يسببون له الفشل وعدم تقدمه وبعد ذلك يحاول الابتعاد والانعزال عن الناس وعن كل العلاقات الاجتماعية، يستسلم احيانا ويقاوم احيانا يتعاون مرة ويتنافس مرة أخرى، حر في حبه وفي كرهه مثال على ذلك انغماس الطالب بين كتبه قد يكون مظهرا من مظاهر إزاحة صراعاته الا اذا كان ما يقوم به شيئا تلقائيا يختاره بارادته.
والدفاعات الثالثة التي قد يكونها الشخص في بيئه عدوانية تعيق دوافعه هي دفاعات الاتجاه نحو الناس. وهذا الشخص يتصف بالخنوع ويتحرك مع الظروف عوضا من مواجهته مثل الشخص العدواني وهو يستسلم عوضا عن ان يكون متفرجا كالشخص الانعزالي والقصد من ذلك هو حماية الذات، وترى العالمة النفسية هورناي ان الدفاعات التي ذكرت والتي تهدف في اساسها إلى حماية الشخص لذاته، وعندما يمارس هذا السلوك ويستمر في استخدام هذه الدفاعات كوسيلة من وسائل الحياة كما لو كانت جزءا أساسيا من طبيعته فانه يدخل في عملية الاغتراب عن نفسه.
وعلى ضوء هذه المعطيات يمكن ايجاز نظريات هورناي في القلق بالتالي:
1- القلق رد فعل انفعالي لخطر ذاتي، ولكن “هورني” تميز القلق عن الخوف والخوف هو رد فعل لخطر خارجي. وهذا العامل الذاتي يتكون من شعور الفرد بتهديد لذاته المثاليه أي ان العوامل النفسية الداخلية هي التي تقوم بخلق الخطر وتعظيمه.
2- تعتقد “هورناي” ان مصدر الخطر يكمن في الدوافع العدوانية، وتعتبر شدة هذه الدوافع اهم مصدر للخطر الذي يثير القلق في الأمراض العصابية.
والخطر الذي يثير القلق يعود الى خوف الفرد من توجيه العدوان الى الأشخاص الذين يعتمد عليهم ويحبهم، لان ذلك يفقده حبهم واحترامهم وعطفهم ولذلك يكبت الشخص دوافعه العدوانية التي تأخذ في الظهور فيما بعد في الخيالات والأحلام وكثيرا ما يفضلها الفرد على أشياء خارجية.
3- إن القلق الذي يسبب العصاب هو قلق أساسي، انه يعتبر أساس العصاب لأنه ينشا في المرحلة الأولى من الحياة نتيجة اضطراب العلاقة بين الطفل ووالديه والشرط الأساسي للطفل هو الحرمان من الحب والعطف، والطفل الذي لا يشعر بالحب والاحترام والتقدير في سنواته الأولى يميل الى الكره والعدوان نحو والديه ونحو الأشخاص الآخرين، ويتوقع الضرر والأذى من كل إنسان.
ويجب ان نتذكر إن الطفل الضعيف يعتمد على والديه في كل شيء، ولذلك لا يستطيع اظهار كرهه وشعوره العدواني نحوهما، وهذا هو الصراع الاساسي الذي يؤدي الى القلق الاساسي في رأي هورناي
4 – هناك نوع من التفاعل بين العدوان والقلق، فالشعور العدواني نحو الوالدين يولد القلق وهذا يؤدي بالتالي الى كبت الشعور العدواني وكبت الشعور هذا يجرد الطفل من مقدرته على إدراك الخطر، كما يجعل الطفل يشعر بالعجز وعدم القدرة على الدفاع وهذا يؤدي الى القلق، فهناك اذن تفاعل بين العدوان والقلق، فكل منهما يقوي ويساعد الآخر.
5 – ان الافراد يكونون أثناء عملية التطبيع الاجتماعي بعض الدفاعات والاتجاهات المعينة نحو الاشخاص الآخرين بحيث تمكنهم من التخلص من القلق وتجلب لهم الأمن والطمانينة، قد يتخذ الفرد دفاعات الخضوع أو دفاعات العدوان أو دفاعات الانسحاب كلها عبارة عن وسائل لتحقيق الأمن والطمانينة في حياته، والاتجاهات العصابية في رأي هورناي هي حيل دفاعية يستخدمها العقل البشري من اجل مصلحة أو منفعة، وان أي شيء من هذا القبيل يهدد الاتجاهات والدفاعات يمكنه أن يثير القلق.
6 – مصدر القلق ليس شيئا معينا كما تقول هورناي بالذات كالدوافع الغريزية في نظرية فرويد بل ان هورناي ترى أن الخطر قد يأتي من عوامل كثيرة خارجية وداخلية.
فاي عامل داخلي سواء كان شعوري أو عدواني يمكن ان يكون مصدر الخطر اذا قام بتهديد الاتجاهات والوسائل التي تهدد ذات الفرد المثالية التي يتوقف عليها شعوره بالامن والامر المهم في نظر هورناي هو الشعور بالأمن وأي شيء يهدد هذا الأمن يثير القلق.
نظرية القلق في رأي “اريك فروم”
تعتبر نظرية اريك فروم من نظريات القلق البارزة، فقد سار فروم في نفس الاتجاه التي سارت فيه هورني والعالم النفساني سوليفان في اهتمامه بالعلاقات الاجتماعية واثرها في التطبيع الاجتماعي للطفل.
ويعتقد فروم ان الطفل يقضي فتره طويله من الزمن معتمدا على والدته، وبازدياد نمو الطفل يزداد تحرره من الاعتماد على والديه ويزداد تحرره من القيود التي تربطه بهما، ويطلق فروم على هذه العمليه التفرد، ، الا ان هذه القيود الاوليه والشعور بالاعتماد على الوالدين تعطي الطفل شعورا بالامن وبالانتماء الى الجماعة، ويهدد نمو الشخصية والاتجاه الى الاستقلال بالأمن، مما يولد شعوراً بالعجز والقلق.
وترجع فكرة فروم في ذلك بان جهل الفرد بامكانياته ومسؤلياته يحرره من الخوف، ولكن عندما يصبح الفرد مستقلا فانه يقف بمفرده في مواجهة العالم المملوء بالمخاطر والقوى الخارقة، ويشعر حينذاك بالعجز والقلق ويذهب فروم الى ان بعض الامكانيات الجديدة للطفل قد تقابل بعدم الاستحسان من اب قاس أو من مجتمع خاص في بيئة الطفل.
ويضطر الطفل تحت هذه الظروف الى كبت امكانياته، ويصبح اظهار هذه الامكانيات فيما بعد عاملا مؤديا الى ظهور القلق فقد يشعر الطفل مثلا برغبه فنية معينه كالرسم أو التصوير أو الموسيقى، فاذا عارض الأب هذه الرغبة الفنية اضطر الطفل الى كبتها حفظا للعلاقة الطيبة التي تربطه بوالده وهكذا يرى فروم ان القلق ينشأ عن الصراع بين الحاجة للتقرب من الوالدين وبين الحاجة الى الاستقلال.
المرجع:
رشيد حميد زغير، علم النفس العيادي، ،دار اسامة للنشر و التوزيع، الاردن.