مراحل تطور علم النفس
محتويات البحث :
- مرحلة الفلسفية
- مرحلة الانفصال عن الفلسفة
- مرحلة الدراسة العلمية للسلوك
- مرحلة المعاصرة
يقسم علماء النفس مراحل تطور علم النفس الى أربع مراحل مفصلية تبعا للموضوع الذي اتخذه للدراسة و جاء التصنيف كما يلي:
مراحل تطور علم النفس
المرحلة الفلسفية
تحدد فيها علم النفس بصفته علما للروح أو النفس تمحور إهتمام علماء النفس في هذه المرحلة على دراسة العلاقات الموجودة بين الجسد والروح، إذ كان ينطلق من الثنائية الفلسفية التي تؤكد وجود روح مستقلة عن الجسد ، واعتبرت هذه العلاقات التي تقوم بينهما كعلاقات بين وحدتين متميزتين بعضهما عن بعض تميزا تاما، تمثلت هذه الثنائية الفلسفية عند ديكارت بوجه خاص في بداية القرن السابع عشر كما تمثلت بعد ذلك عند العديد من فلاسفة القرن الثامن عشر.
يدرس علم النفس حسب هؤلاء الفلاسفة معطيات الحياة الذاتية أو الوعي بذاته، لذا كان من البديهي أن تلجأ هذه الدراسة إلى منهج الإستبطان الذي يقوم على تأمل الوعي لذاته، وذلك طالما أن النفس، حسب تعبير ديكارت، تستطيع أن تكون معرفة مباشرة بذاتها.
مرحلة الإنفصال عن الفلسفة
ونعتبرها المرحلة الثانية من المراحل التطورية لعلم النفس والتي تبتدأ من القرن التاسع عشر أين حاول فيها علم النفس الإنفصال عن الفلسفة والتحول إلى علم تجريبي، لم يطرأ في هذه المرحلة تغيير أساسي على تعريف علم النفس، غير أنه قد حلّ موضوع الوعي أو الفكر أو النفسية محل الروح.
بيد أن هذه المرحلة اتسمت بالإهتمام الكبير لبعض علماء الفيزياء والفيزيولوجية والطب منهم مثلا فخنروفيبر، بقضايا علم النفس ولاسيما بموضوع الأحاسيس وعلاقتها بالمثيرات الفيزيائية، كما اتسمت أيضا بتخصيص المقاعد الجامعية لتعليم علم النفس وبإنشاء المختبرات المتخصصة، سعى هؤلاء العلماء بتأثيرمنهج العلوم الطبيعية، أي المنهج التجريبي، إلى أن يتحول علم النفس إلى علم تجريبي أي أنهم سعوا إلى إستعمال المنهج التجريبي في دراسة الموضوعات النفسانية، وعلى الرغم من ذلك فكانت أعمالهم التجريبية تنتهي في أغلب الأحيان إلى اعتماد الإستبطان ويعود ذلك بصورة أساسية إلى أن موضوع علم النفس في هذه المرحلة، أي الوعي أو ما يقابله كان يفرض من حيث طبيعته بالذات اللجوء إلى هذا المنهج.
لقد نشأت في الواقع بعض المحاولات لتطوير هذا المنهج باتجاه تجريبي وسمي بالتالي بالإستبطان التجريبي، وفيه يقوم الفرد بحل مشكلة تجريبية معينة ويصف في الوقت ذاته الحالات التي تمر في وعيه، إلا أن جوهر المنهج لم يتغير وبقي مستندا إلى التأمل الذي يقوم به الوعي للوعي نفسه.
مرحلة الدراسة العلمية للسلوك
تحدد علم النفس في هذه المرحلة، في النصف الأوّل من القرن العشرين، بأنه الدراسة العلمية للسلوك، فتميزت هذه المرحلة بنوع خاص بنشوء المدرسة السلوكية التي أسسها جون واطسون وأعلن عنها في بيان أصدره سنة 1913.
أكدت المدرسة السلوكية استحالة إنشاء علم النفس إنشاءا علميا على أساس دراسة معطيات الوعي واعتبرت السلوك هو فقط الذي يشكل الأساس الموضوعي لقيام علم النفس العلمي، ذلك أن السلوك وحده، وليس الوعي، يمكن أن يخضع للملاحظة الموضوعية.
فكان من الطبيعي أن يرفض واطسون، وهو الاختصاصي في علم الحيوان منهج الاستبطان، فهذا المنهج لا قيمة له بالطبع في مجال دراسة السلوك الحيواني الشيء الذي كان يقوله واطسون، فهل يمكن دراسة معطيات الوعي عند الفأر مثلا ؟ وهل يمكن للاستبطان أن يؤكد وجود هذا الوعي أو ينفيه؟ .
هذه أسئلة كان يطرحها واطسون وقد كان يرى أيضا أن هذا النقد السلوكي لمنهج الإستبطان يصح في مجال علم النفس الإنساني، ذلك أن دراسة الطفل تطرح بعض المشكلات المنهجية الشبيهة بتلك المشكلات التي تطرحها دراسة الحيوان، إذ كيف يمكن الطلب إلى الطفل أن يستبطن نفسه، أي أن يتأمل ذاته بذاته وأن يعبر عن نتائج هذا التأمل ؟ .
لذلك دعت المدرسة السلوكية إلى إعادة النظر في علم النفس كله وإلى ضرورة الاستناد إلى دراسة العناصر الموضوعية التي يمكن ملاحظتها هذه العناصر التي تتمثل في المثيرات ( م ) وفي الإستجابات ( س ) التي تؤدي إليها هذه المثيرات، وهوما يمكن الرمز إليه بالطريقة التالية :
(م ) ————- كائن حي ————- ( س )
اعتبر واطسون أن مادة علم النفس تقتصر فقط على دراسة الاستجابات التي تقوم بها الكائنات الحية بتأثير مثيرات معينة، أي أنها تقتصر على دراسة السلوك الذي يتكون من مجموع الإستجابات التي تظهر في وضعية معينة، وتهدف هذه الدراسة حسبه إلى تحديد العلاقات أو القوانين التي تربط بين المثير و الإستجابة .
بيد أن نظرة واطسون للسلوك ذاته نظرة تتناسب مع بعض أنماط السلوك الحيواني ومع الأفعال البسيطة كالأفعال المنعكسة، غير انها لا تتلاءم تماما مع الانماط المعقدة للسلوك الانساني، دلك ان السلوك الانساني في انماطه المعقدة لا يمكن أن تختزل إلى بعض الإستجابات التي تنشأ نتيجة بعض المثيرات، فالكائن الإنساني الذي يوجد بين المثير والإستجابة كائن نشط و مدرك وتجري في داخله عمليات فيزيولوجية ونفسية ولا تتجلى هذه العمليات بالضرورة في الإستجابات الظاهرة .
وانطلاقا من هذه الإنتقادات الموجهة إلى واطسون نشأ ضمن المدرسة السلوكية اتجاه جديد يسمى بالسلوكية المحدثة أسسها تولمان وهول .
سعی هذا الإتجاه إلى تضمين مفهوم السلوك بعض العمليات الذهنية كالإدراك والتفكير والعاطفية أو الإنفعالية التي تحدث في الكائن الحي نفسه وتتوسط إذا جاز التعبير بين المثيرات من ناحية والإستجابات من ناحية أخرى، تدعى هذه العمليات التي لا يمكن ملاحظتها بصورة مباشرة بالمتغيرات الوسيطية، هذه المتغيرات لا يمكن التثبت منها بصورة مباشرة، بل يمكن فقط إفتراض وجودها وإستنتاجها والإستدلال عليها من خلال السلوك الظاهر. يتحدد سلوك الكائنات الحية المعقدة إذن بالعمليات الداخلية ولا يتحدد فقط بالعلاقة الآلية بين المثيرات الخارجية و الإستجابات الظاهرة والموجهة نحو الخارج، و بعبارة أخرى يمكن القول إن السلوك لا يشكل نتيجة بسيطة لمثيرات المحيط بل يشكل محصلة التفاعل بين الكائن الحي والمحيط .
المرحلة المعاصرة :
تحدد علم النفس في هذه المرحلة بأنه العلم الذي يدرس سلوك الكائنات الحية بمعناه الواسع، يشمل السلوك بهذا المعنى مجموع التصرفات الحركية واللفظية بوجه خاص التي يقوم بها الكائن الحي هذه التصرفات التي يشكل بعضها نشاطات منظمة وموجهة نحو هدف معين، أي نشاطات قصدية أو غرضية، ويظهر عنصر القصد في السلوك من خلال التنظيم والتوجيه اللذين يميّزان العديد من التصرفات المعقدة .
يتم تفسير السلوك حسب هؤلاء العلماء عن طريق نوعين متفاعلين من المتغيرات أو العوامل :
يتعلق النوع الأول من المتغيرات بالكائن الحي الذي نلاحظ تصرفاته ومنها متغيرات السن والجنس و الخبرة السابقة والدوافع الراهنة والصراعات التي يمكن أن تنشأ بين هذه الدوافع…
ويتعلق النوع الثاني من المتغيرات بالوضعية التي يوجد فيها الكائن الحي، وتتنوع الوضعيات التي يمكن أن يوجد فيها الكائن الحي، تنوعا شديدا : فهناك الوضعية التجريبية في المختبر التي تتميز ببعض المتغيرات وهناك الوضعية العائلية التي قد تتسم ببعض الصراعات والإضطرابات و الوضعية المدرسية، والوضعية الإقتصادية…
ويتمثل طموح عالم النفس في أن يدرس عن طريق الملاحظة والتجربة أو اللقاء المباشر مع المفحوص
تأثير هذا النوع أم ذاك من المتغيرات أو كليهما معا في السلوك وأن يصل إلى تفسير هذا التأثير.
ويرى بعض علماء النفس أن علم النفس المعاصر يتميز بإهتمامه بدراسة أحوال الإنسان النفسية كاملة شاملة في كافة جوانبها ومنطلقاتها السلوكية والإنفعالية أكثر من إهتمامه بالأمور الجزئية العقلية والنفسية، لذا يمكننا أن نسميه علم شمول السلوك الإنساني، التاريخي المنصرم، والواقعي الستقبلي ككائن مجرد مطلق يعيش في مجتمع حضاري له تأثيره الفعّال في سلوك الفرد و إنفعالاته وإستجاباته .
خاتمة :
إن للمجتمع الحضاري تأثير تاريخي وسلوكي يشكل العاطفة والأحاسيس والمشاعر لدى الفرد الناهد إلى العيش في بوتقة أخلاقية إنفعالية تنهد إلى تأمين قيم ودلالات تؤثر في الدعوة لبناء علم نفس يغوص في أعماق إنسان هذا العصر المتقدم ليستخرج الأمراض والأوبئة والإصابات التي تحد من نشاطه وتملأ حياته خوفا وقلقا و تهدد صحته النفسية .
إقرا ايضا، تاريخ علم النفس
المرجع :
عبد الرحمن الوافي، (2010)، المختصر في مبادئ علم النفس، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر .بالتصرف .