تعرف العلاجات المعرفية السلوكية على انها هي علاجات نابعة من علم النفس التجريبي ،وتعتمد على تيارين نظريين كبيرين يتمثل الأول في علم نفس التعلم “La psychologie de l’apprentissage” (أي التيار السلوكي) ويتمثل الثاني في علم النفس المعرفي “La psychologie cognitive” (Sarron,2011).
ويتمثل المبدأ الأساسي للعلاج المعرفي السلوكي في أن الأفكار و الوجدان و السلوك والجوانب الفيزيولوجية هي مكونات لنظام موحد ،فالتغير الحادث في أي مكون منها يكون مصحوبا بتغير في المكونات الأخرى (كوروين و رودل ،بالمر،2008).
نشأة العلاجات المعرفية السلوكية:
لقد ظهر مفهوم العلاج المعرفي السلوكي في بداية الثلث الأخير من القرن العشرين ويعتمد على أهمية دور التفكير في التأثير على المشاعر و السلوكيات. كما يولي أهمية كبيرة للجانب الوجداني والبيئة الاجتماعية للمفحوص ،ويعتمد هذا النوع من العلاج على استراتيجيات معرفية وسلوكية وانفعالية واجتماعية وبيئية لإحداث التغير المطلوب(جابروبومجان،2013).
نشأت العلاجات المعرفية السلوكية في (1960)نتيجة للتزاوج بين التيار السلوكي الذي بدأ في( 1920) وأهم رواده (بافلوف ،واطسون ،كوفرجونس ،ولبي ،سكينر) وبين التيار المعرفي الذي ظهر في سنوات 1950 و أهم رواده (البرت اليس ،ايرون بيك) (Poupard,2012)
أسس العلاجات المعرفية السلوكية:
تساعد هذه العلاجات على معرفة العلاقة بين الأفكار و الانفعالات والسلوك وتركز على دور المعارف،الأفكار الأوتوماتيكية ،القواعد و الافتراضات في ظهور الصعوبات الانفعالية مثل القلق و الاكتئاب .فتمكن هذه العلاجات الأشخاص من تقييم وتعديل مخططاتهم التفكيرية المعتاد عليها وتساعدهم على إعطاء معنى أقل تطرفا وأكثر واقعية للأحداث السلبية حتى تصبح الانفعالات و السلوكات أقل إضطرابا . فالمبدأ الأساسي للعلاجات المعرفية السلوكية هو أن الأفكار و الوجدان و السلوك و الجوانب الفيزيولوجية مكونات لنظام موحد ،ومنه فأي تغيير في إحدى المكونات يصاحبه تغيير في المكونات الأخرى( كورين و رودل،بالمر،2008). وتعتمد هذه العلاجات في تدخلاتها على ” هنا و الآن”
يشير Glass shea (1986) (كما ورد في جابروبومجان،2013 ) إلى أن العلاج المعرفي السلوكي يهدف إلى إقناع المفحوص بان سبب ردود أفعاله الغير متكيفة هي نتيجة لمعتقداته الخاطئة و أفكاره السلبية وعباراته الذاتية الخاطئة ،كما يهدف إلى تعديل الجوانب المعرفية المشوهة والعمل على استبدالها بطرق أكثر ملائمة للتفكير قصد إحداث تغييرات معرفية وسلوكية ووجدانية لدى المفحوص.
العلاجات المعرفية السلوكية و الاضطرابات النفسية:
يشير Rector (2010) الى أن العلاجات المعرفية السلوكية أثبتت فعاليتها في معالجة الكثير من الاضطرابات أهمها:
-اضطرابات المزاج مثل الاكتئاب .
– بعض أنواع الفوبيا( مثل الخوف من الحيوانات ،الخوف من المرتفعات ،الخوف من الأماكن المغلقة ).
-اضطرابات الهلع.
– الرهاب الاجتماعي.
– اضطرابات القلق المعمم .
– اضطراب ضغط ما بعد الصدمة .
-الاضطرابات المرتبطة بتعاطي مادة معينة مثل الكحول و المخدرات.
سير العملية العلاجية في العلاجات المعرفية السلوكية:
يتضمن سير العملية العلاجية في هذا النوع من العلاجات عدة مراحل:
– التعارف بين المعالج و المفحوص: وفيها يتم انشاء علاقة تعاونية ايجابية ،يتم خلالها التعرف على المشاكل الانفعالية ،المعرفية و السلوكية التي تقف وراء طلب المفحوص.
– التشخيص وفق الدليل التشخيصي و الاحصائي للاضطرابات النفسية.
– دراسة الأهداف و الدافعية نحو التغيير لدى المفحوص.
– التحليل الوظيفي للعلاقات الموجودة بين السلوكات و الانفعالات و المعارف .
– القياسات التي يتم فيها قياس الأعراض و نوعية حياة المفحوص.
– تفسير المشكل النفسي و التقنيات التي ستستخدم لضمان تغيير السلوكات ،الانفعالات و الأفكار.
– اعداد فرضيات مع المفحوص حول المشاكل ووضع الأولويات (بماذا نبدأ).
– إعداد مستويات متدرجة للمشاكل باستخدام وحدات ذاتية لقياس الاضطراب (مثال مقياس متدرج من 0 إلى 100 لقياس الخوف من الأماكن العمومية).
– تطوير قدرات الشفاء الذاتي و التسيير الذاتي.
– تقييم نتائج العلاج بالنسبة للأهداف المسطرة قبل بداية العلاج.
– برنامج متابعة خلال عام بعد نهاية المرحلة النشطة للعلاج.
سير الحصة العلاجية:
بعد أن تكلمنا في العنصر السابق عن سير العملية العلاجية ككل سنحاول في هذا العنصر أن نتكلم عن سير الحصة العلاجية .هذه الأخيرة تتضمن مايلي:
– تقيم في بداية الحصة المهام المطلوب من المفحوص القيام بها( بين اللقاءات).
– تحديد موضوع الحصة مع المفحوص.
– بعد كل 10 دقائق يقوم المعالج بإعداد ملخص حول موضوع الحصة.
– اعتماد الطريقة السوقراطية.
– استخدام تقنيات معرفية سلوكية لتعديل المخططات المعرفية و الأفكار الألية التي تسبب صعوبات علائقية للمفحوص.
– إجراء ملخص لمحتوى الحصة ،وبعدها يطلب المعالج من المفحوص تغذية راجعة حول ماقاله وفعله المعالج مع التركيز على الأشياء التي لم تعجب المفحوص،وهذا مايسمح بالتعرف على المشاكل العلائقية التي حدثت أثناء الحصة.
– تحديد المهام المعرفية و السلوكية التي سيطبقها المفحوص في الحياة اليومية .
– وضع رزنامة للنقاط ذات الأولوية و المراد التطرق إليها.
تقنيات و أساليب العلاجات المعرفية السلوكية:
من أهم الوسائل و التقنيات التي تعتمد عليه هذه العلاجات :التحليل الوظيفي )، التعريض،النمذجة ، اعادة البناء المعرفي ،الملاحظة الذاتية ،التحكم في التنفس،السهم النازل.
تم التطرق في درس العلاجات السلوكية الى شرح التحليل الوظيفي ،التعريض و النمذجة .و سنحاول الأن شرح كل من التقنيات الباقية و المتمثلة في:
– إعادة البناء المعرفي:
تهدف هذه التقنية إلى إعادة الهيكلة المعرفية وذلك عن طريق تصحيح الأفكار و المعتقدات غير تكيفية واستبدالها بأفكار بديلة أكثر عقلانية (أبو غالي وحجازي ،2016).
يعبر الباحث Golfried (1975) عن هذه التقنية بإعادة البناء العقلاني المنتظم وتتضمن أربعة مراحل:
1- التعريف بهذه التقنية العلاجية للمفحوص.
2- بعد أن يستوعب المفحوص المبدأ العام لهذه التقنية ،يتفحص كل من المعالج و المفحوص التنافرات المعرفية الرئيسية التي يمكن أن يصادفها ،وفي هذه المرحلة فإن المفحوص يتحدث عن التشوهات المعرفية التي يلاحظها عند الأخرين أو عنده .
3- التعرف على الصعوبات الخاصة بالمفحوص ،حيث يحاول كل من المعالج و المفحوص التعرف على هذه التنافرات و محاولة تبويبها في خانة معينة من التنافرات المعرفية المذكورة سابقا .
4- الطلب من المفحوص ممارسة هذا التحليل في مختلف ظروف حياته اليومية.
– تقنية الملاحظة الذاتية أو المراقبة الذاتية :
Self monitoring technique
يطلب المعالج من المفحوص خلال هذه التقنية بأن يلاحظ و يسجل ما يقوم به في مفكرة يومية ،حتى يتعرف على مشكلته ومعدل تكرارها ،و أهم التغيرات التي تطرأ عليه خلال فترة العلاج.
السهم النازل :
Self descendanteينطلق المعالج و المفحوص من فكرة مشوهة ،يعبر عنها المفحوص على أنها حقيقة حتى يتم التمكن من النزول إلى أعمق المستويات المعرفية الممكنة التي لا يعيها المفحوص إلى غاية الوصول إلى المخططات المعرفية التي تكون مصدرا لهذه الفكرة المشوهة التي عبر عنها المفحوص في البداية، وهذا عن طريق طرح أسئلة،يقود كل سؤال إلى سؤال آخر(Rafat,2012).
التحكم في التنفس :
يتم تبصير المفحوص أن أحسن طريقة للتنفس هو التنفس البطني وهي تعد كمرحلة أولية للاسترخاء ساعد تدريبات الاسترخاء كثيراً كوسيلة أولية أو ثانوية في علاج كثير من المشكلات التي تواجه الإنسان في حياته اليومية.
ومن أهم المشكلات التي يمكن أن يتم علاجها باستخدام فنية الاسترخاء: القلق ، المخاوف الاجتماعية، المخاوف النوعية، اضطراب ما بعد الصدمة، اضطراب النوم الغضب والعدوانية، صعوبة التعلم.
ويشير شعبان محمد فضل (2008) الى أن اساليب هذه العلاجات يتمثل فيما يلي:
1- التعرف على الأفكار التلقائية المشوهة و العمل على تصحيحها .
2- الابعاد و التركيز:حينما يتعرف المفحوص على هذه الأفكار التلقائية المشوهة التي لا تتفق مع الواقع فانه سيحاول إبعادها والتخلص منها وسيحاول التركيز على تصحيحها و تعديلها.
3- ملء الفراغ: تحدث الأفكار المسبقة المشوهة فجوة بين المثير و الاستجابة ،فيقوم المعالج بمساعدة المفحوص على سد وملء تلك الفجوة من خلال التعامل مع المثير و الاستجابة الحقيقيين و تجنب الأفكار المسبقة المشوهة.
4- التخلص من بعض الواجبات المطلقة التي تسبب الخوف و القلق للمفحوص ،وتحويل اهتمامه من التركيز على هذه الواجبات المطلقة إلى نشاطات عديدة كالألعاب الرياضية و الأنشطة الفنية و الاجتماعية.
5- تشجيع المفحوص على مواجهة مواقف القلق تدريجيا.
إقرا ايضا ملخص كتاب حالات عيادية في العلاج المعرفي السلوكي
المرجع :
أشروف كبير سليمة .دروس جامعية في مادة العلاجات السلوكية المعرفيةpdf. جامعة اكلي امحند أولحاج بالبويرة