اليك الحيل النفسية او ميكانيزمات دفاعية التي يستعملها الفرد من اجل الحفاظ على صحته النفسية و العقلية.
الحيل النفسية الشائعة:
1- الكبت Repression
يعتبر الكبث من اشهر الحيل النفسية شيوعا ،و يعرفه علم النفس بانه عملية سحب الصراع من دائرة الوعي الى اللاشعور لكي يحاول الإنسان مواجهة شعوره بعدم الارتياح والقلق والذنب، ويستنزف الكبت العنيف جزءا كبيراً من طاقة الفرد ومن ثم لا يتبقى لديه إلا القليل لمواجهة ضغوطات الحياة ومشاكلها.
والكبت يجري بطريقة الية لاشعورية و تبدا كوسيلة وقائية للمحافظة على التوازن النفسي للفرد من الداخل، وعلى التوافق بينه وبين متطلبات المجتمع من الخارج ،قد تستمر لفترة طويلة ، وتكون بذلك وسيلة بناءة تتناسب مع متطلبات الحياة النفسية السليمة، ولابد من الابقاء على التجارب المكبوتة مقيدة في اللاوعي ذلك لأن ظهورها إلى الوعي أو التهديد بظهورها فيه قد يخلق حالة من القلق والاضطراب تضر ب الصحة النفسية للفرد.
2- التعويض Compensation
يقصد بالتعويض في علم النفس محاولة الفرد للتعويض عن شعوره بالنقص، سواء كان هذا النقص فعليا أو وهميا، وسواء كان جسميا أو نفسيا أو ماديا، والتعويض محاولة غير واعية للارتفاع الى المستوى الذي وضعه الإنسان لنفسه أو الذي فرض عليه من علاقة بالآخرين.
وقد تدلت الكثير من الدراسات ان عملية التعويض تشتمل على حاجة الإنسان الكاملة للعطف والاهتمام من الآخرين، واحيانا يحاول الإنسان المعرض للضغط النفسي ان يعوض عنه بالحماس الشديد، وفي حالة التعويض يتسلح الفرد برغبة عارمة للنجاح في نفس الميدان كمثال: فشل ديموستين Demosthenes في الخطابة لاصابته بالجلجلة الكلامية منذ الطفولة وكيف حاول وبإصرار ان يتغلب عليها بالتمرين المستمر، وأخذ ديموستين مخاطبة البحر ونجح في أن يصبح من أشهر الخطباء الاغريق، وقد يكون التعويض غير مباشر وذلك بأن يتجه الفرد الى هدف أخر يبرز فيه ويعوض عن فشله في الهدف الأول.
و قد سلط علماء النفس الضوء على من بينها ادلر Adler الذي اعتبره الآلية استبدال النقص الموجود لدى الفرد كمثال:المرأة العانس تعوض عن ذلك باناقتها في اللباس وكلامها اللطيف أو بتفوقها العلمي.
ان التعويض عبارة عن حل جزئي لا يشبع الحاجة الأساسية لدى الفرد، وهو يعني محاولة التغلب على نقطة الضعف، بينما نلاحظ التعويض الزائد يعني محاولة الفرد أن يتفوق تفوقا زائدا على نقطة الضعف التي لديه، مثال على ذلك: نلاحظ أنه هناك الكثير من الرياضيين خاصة الرياضات الفنون القتالية المتفوقين و المحترفين كانوا سابقا منحرفين او عدوانيين في صغرهم.
3- التحويل Conversion
للتحويل عدة أشكال من بينها عملية تحويل المكبوتات من اللاشعور الى الشعور كما يحدث اثناء عملية التحليل و هي من المواضيع التي تطرق لها كثيرا الطبيب العصبي و عالم النفس سيغموند فرويد ،وهذه الاعراض التحويلية تكون حلا شاذا للصراع وتعتبر ايضا وسيلة للتهرب من الصراع والمواقف المؤذية، كذلك مخففة للالم النفسي و الاحباطات ومثل هذه الحالات تكثر في مرض الهيستيريا.
4 – التبرير Rationalization
وهو محاولة الفرد اعطاء أسباب مبررة لسلوكه بشكل معين تستهدف بالدرجة الاولى اقناع نفسه بصواب قراره وهي وسيلة دفاعية يستخدمها العقل البشري للفرد للمحافظة على احترامه لنفسه و تقديره لذاته وتجنبه الشعور بالذنب مثال على ذلك: الطالب يبرر فشله عن طريق لوم استاذه بالتقصير في تعليمه (عملية اسقاط على الغير ويكون التبرير عادة للدوافع اللاشعورية)
التبرير حيلة نفسية الهذف منهامحاولة دفاع عن سلوك خاطئ أو افكار معينة او شاذة أو عدوانية لاشعورية تعبر عن نفسها في فلتة لسان أو زلة قلم احيانا، وهذا التفسير وهذه الاعذار ليست الأسباب الحقيقية لما فعله أو ما يحمله من افكار ، ولكنها وسيلة لاخفاء ما يشعر به من عار أو خجل، أو محاولة لخداع الذات أو الضمير ويجب ان نتذكر ان التبرير يختلف عن الكذب.
الكذب محاولة خداع الغير فقط، وليس خداع للذات، علما ان التبرير قيمة دفاعية تتجلى في مساعدتنا على تعليل أفعالنا ومعتقداتنا، وعلى التخفيف من حدة شعورنا بخيبة الأمل عندما لا نستطيع تحقيق غاياتنا”.
5 – النكران Denial
يعتبر النكران من أبرز الحيل النفسية، بحيث يتجنب الفرد المواقف المؤلمة ومصادر القلق بتجاهلها أو نفي حدوثها او وجودها، وقد ينكر الفرد لاشعوريا فكرة ما أو حاجة ماسة أو مشكلة تصيبه،كمثل عدم تقبل وفاة شخص عزيز،و اعتباره انه مزال حيا و سيعود قريبا. وتجاهل الاشياء المؤلمة والنكران قد يصل الى اقصى الحدود في بعض الحالات، بحيث يقطع الإنسان صلته بكل ما يحيط به من حقائق وذلك بنسيان اسمه اوشخصيته أو يتقمص شخصية اخرى، كما يحدث في الشيزوفرينيا، بحيث ينشئ المريض لنفسه عالما خاص مملوء بالاوهام والهلاوس و ينفصل عن الواقع.
6 – النسيان Forgetfulness
النسيان من الحيل النفسية التي يلجأ اليها الناس للتخلص من الذكريات المؤلمة والنسيان حيلة سهلة وشائعة في حياتنا اليومية، ويلجأ اليها معظم الناس في المواقف مختلفة.
وقد دلت التجارب التي اجراها علماء النفس على ان الناس يميلون عادة الى النسيان نتيجة لخبراتهم المؤلمة أكثر مما ينسون خبراتهم السارة، وهم ينسون فشلهم أكثر مما ينسون انتصارهم، ويحدث النسيان نتيجة الكبت، وقد يكون النسيان محصورا في حوادث معينة، كما يحدث حينما ينسى الشخص اسم شخص اخر يشعر نحوه بكراهية أو بدون أهمية وقد ينسى الإنسان ميعادا مع شخص لا يود في الحقيقة ان يراه.
وقد يمتد النسيان احيانا فيشمل فترة معينة من حياة الإنسان، وفي حالات الأمراض النفسية والعقلية مثل مرض الهستيريا التفككية والشيزوفرينيا وازدواجية الشخصية وغيرها من الأمراض العقلية المختلفة.
يجب ان نفرق بين النسيان الذي يحدث نتيجة للكبت وبين النسيان العادي الذي يتعرض له كل منا في حياتنا اليومية.
النسيان العادي عبارة عن ضعف بعض الخبرات وزوالها من الذاكرة بسبب كثرة النشاطات والأعمال المختلفة والمتنوعة التي يقوم بها الإنسان، ومن الممكن ان تظهر هذه الذكريات المنسية بسهولة في الذاكرة إذا وجدت الظروف المناسبة لتذكرها.
اما النسيان الناتج عن الكبت فهو حيلة عقلية لاشعورية يبذل فيها شيء من الطاقة العقلية لمقاومة الذكريات ولمنعها من الظهور في الشعور، وليس من السهل تذكر الذكريات المكبوتة ويقتضي ذلك عادة مجهودا شاقا اثناء العلاج النفسي.
7- الاسقاط Projection
الاسقاط في علم النفس هو أن يسقط الإنسان ما يعانيه من انحراف أو من عقد نفسية على الآخرين، فمثلا في المرض العقلي البارانويا Paranoia يسقط المريض فيه عدوانيته على الآخرين ثم يتوهم اضطهاد الآخرين له وهذا مايسمى بالاسقاط الدفاعي.
الاسقاط هو التنسيب للعيوب والنواقص، والرغبات المكبوتة على الناس والاشياء، وذلك تنزيها لانفسنا وتخوفا مما نشعر به من قلق أو خجل أو نقص أو ذنب.
وقد ظهر من احد البحوث التجريبية على المدراء في مؤسسة عامة ان أصلح اختبار يميز بين القادة الناجحين والفاشلين هو الاختبار الذي يقيس ثقة المدير في مرؤوسيه، والتي سرعان ما يشعر المرؤوسون بها فيبادلونه ثقة بثقة.
في المرض العقلي فالمريض يسقط رغباته ومخاوفه على العالم الخارجي، وفي الهذاءات قد يعتقد المريض مثلا ان زوجته تريد قتله لترثه وان العالم كله ضده يريد ان ينال منه.
ان اسلوب الاسقاط هو في الواقع خداع للذات، ومؤذي للشخصية لأنه يفقد الإنسان فيه ادراكه بصيرته و توازنه العقلي، هذا الاسقاط يصيب الاسوياء وغير الأسوياء، وعادة يتواجد في الأمراض النفسية المعروفة كالعدوانية كالغيرة الشديدة والشك والاوهام الاضطهادية و غيرها من الاضطرابات النفسية.
8 – أحلام اليقظة Day Dreaming
إن القلق النفسي والتوتر الزائد والصراعات المختلفة تؤدي بالبعض إلى الهروب من الواقع( اي من حالة الشعور إلى اللاشعور)، وبعد ذلك يلجأ الى عالم من الاحلام والتخيلات غير واقعية والمليئة بالبطولات والتضحيات، و لعب ادوار المختلفة، و قد نجد احلام اليقظة ايضا عند الناس المبتكرين والعلماء والعباقرة والفنانين.
وتعتبر احلام اليقظة من الامور العادية التي تحدث اثناء اللعب التخيلي عند الاطفال الصغار، فقد يتخيل الطفل الصغير اشخاصا يلعبون معه، وقد يتحدث اليهم بصوت عال، وقد ينسب الى نفسه اثناء اللعب ادوارا معينة، ويرجع ذلك الى ان الطفل الصغير لا يستطيع ان يميز بين الواقع والخيال تمييزا دقيقا، ولكنه عندما ينمو تدريجيا تزداد قدرته على التمييز بين الواقع والخيال، ويصبح اكثر قدرة على التحكم في خياله ونستطيع أن نقول هي وسيلته ضرورية للتكيف و قد تكون تمهد للابداع، فاحلام اليقظة ميكانيزم نفسي ويمارسه الصغير والكبير من اجل التخفيف من حدة القلق الناجم عن حاجات محبطة ورغبات يعجز الفرد عن تحقيقها في عالم الواقع، والمريض النفسي لا يفرق بين احلامه وبين الواقع، انما هو يعيشها كحقيقة كاملة ، بينما الشخص السوي يعيش الاحلام ويدرك انها احلام ولكنه يتمنى تحقيقها ويميز بينها وبين واقعه والمحيط، ان هذه الاحلام غالبا ما تسعى وراء تحقيق ما عجز عن تحقيقه في الواقع، كحلم الفقير بالغنى، وحلم المريض بالشفاء، وحلم الطالب بالنجاح و التفوق.
9- التقمص Imitation
راينا في ميكانيزم الاسقاط أن الفرد يخلص نفسه من صفاته المعيبة، بينما في التقمص يلصق الفرد بنفسه الصفات المحببه اليها أو يدمج نفسه في شخصية فرد آخر من أجل تحقيق أهدافا يطمح اليها وتشمل هذه الخصائص السلوك والافكار والانفعالات العاطفية واول محاولة يقوم بها الفرد للتعرف تبدأ في الطفولة عندما يسعى الى تقليد شخصية احد والديه.
ان عملية التعرف أو التقمص تخدم اغراضا كثيرة وتعتبر وسيلة هامة لتحقيق الرغبات التي لا يستطيع الفرد الوصول اليها بنفسه، وهناك الكثير من مظاهر التقليد وتعلق الفرد بغيره مثل تقمص الابطال في المجال الرياضي أو تقليد الفنانين، لهذا يمكن اعتبارالتقمص حيلة نفسية دفاعية للتخفيف من الخوف و القلق الداخلي و تحقيق نوع من الطمانينة النفسية ولو بشكل مؤقت.
10- الانسحاب withdrawal
يعتبر الانسحاب ايضا من الحيل النفسية البارزة في وقتنا هدا، فهو يقصد به تجنب التعرض للناس أو للمواقف أو الاشياء التي تثير في نفسه القلق والضيق، واذا اضطرت ظروف الى مواجهة هذه المواقف، يلجأ الى ميكانيزم الانسحاب و التقوقع على ذاته و الانطواء،و في اقصى الحالات قد يتحول الى الرهاب الاجتماعي.
المرجع :
رشيد حميد زغير،كتاب علم النفس العيادي،دار اسامة للنشر و التوزيع،2016.